عن المعجم
مقدمة الرئيس الأعلى للمشروع
مقدمة رئيس اتحاد المجامع
مقدمة المدير العلمى
مقدمة المدير التنفيذى
المشاركون
المنهج

مقدمة المدير العلمي

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبيِّ العربيِّ الأمين، وعلى آله وأصحابه الغُرِّ الميامين.

وبعد؛

فللعرب تاريخ عريق في فن الإبداع المعجميّ، الذي لاحت بواكيره عندهم بعد ظهور الإسلام ونزول القرآن الكريم الذي فجر ينابيع الحكمة والمعرفة في شرايين الحياة العربية وعروقها؛ فنمت غراس المعرفة والعلوم والفنون، ونشطت الحركة العلمية عند العرب، وظهر الاهتمام بالكتابة والتدوين، واتقدت جذوة الجمع والتسجيل والتأليف؛ رغبةً في فهم القرآن الكريم؛ وصيانة لغته الشريفة؛ وحفظها من اللحن والخلل والضياع.

وقد لاحت إرهاصات التفكير المعجمي وبواكيره، متمثلة في تدوين بعض القوائم أو المسارد اللغوية الصغيرة، التي اهتمت بتسجيل بعض الألفاظ المُشْكلِـة، وتفسير دلالاتها. ومن ذلك ما نقله الرواة من مسائل نافع بن الأزرق (... -نحو: 65 هـ)، وإجابات ابن عباس (3 ق هـ - 68 هـ) عنها، وما تلا ذلك من الاهتمام بالكتابة والتأليف في غريب القرآن الكريم، ومـُشْكِل ألفاظه، الأمر الذي أسهم في تطور الأعمال المعجمية حتى اشتد عودها، واستوت على سوقها في القرن الثاني الهجري، بظهور " كتاب العين" للخليل بن أحمد الفراهيدي (100هـ - 175 هـ). ثم انهمر القطر بعد ذلك.

وقد ظهر استعمال لفظة "المُعْجَـم" أَوَّلَ مرةٍ، في مؤلفات علماء الحديث، الموسومة بمعاجم الصحابة والشيوخ، وقد أطلق قدامى المُحَدِّثين اسم "المَشْيَخَة" علي الكتاب أو الجزء الذي يجمع فيه المُحَدِّث أسماء شيوخه، ومروياته عنهم، وفق ترتيب يرتضيه، مثل: " المَشْيَخَة " لأبي يوسف يعقوب بن سفيان الفسويّ (... - 277 هـ )، ثم صاروا بعد ذلك يطلقون على هذا الضرب من المؤلفات اسم" المُعْجَـم" بدلا من " المَشْيَخَة "، مثل: " المُعْجَـم: مُـعْجَـم شيوخ أبي يعلى" لأبي يعلى أحمد بن علي بن المثني الموصلي (210 - 307 هـ )، و" مُـعْجَـم الصحابة" لأبي القاسم عبد الله بن محمد البغويّ (214 - 317 هـ )،و" مُـعْجَـم شيوخ ابن الأعرابي" لأبي سعيد أحمد بن محمد بن زياد العنزيّ، المعروف بابن الأعرابي (246 - 340 هـ )، و " مُـعْجَـم الصحابة" لأبي الحسين عبد الباقي بن قانع (265 - 351 هـ )، و" مُـعْجَـم الصحابة" لأبي علي سعيد بن عثمان بن السكن (...- 353هـ )،و ثلاثة المعاجم المشهورة:"الأوسط "،و"الصغير"، و"الكبير" لأبي القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبرانيّ (260 - 360 هـ ).

و في القرن الرابع الهجريّ بلغت الصنعة المعجمية ذروة مجدها، وعمرت مرابُعها بأعلامها ، وازدحم الوُرَّاد على حياضها، وارتقت مذاهب الإبداع في التصنيف المعجمي، وازدهرت، وتنوعت مشاربها وأطيافها، وأتت أكلها متنوعةَ الثمار مختلفةَ الألوان، فمنها ما هو مختص بالألفاظ، ومنها ما هو مختص بالأبنية والأوزان، ومنها ما هو مختص بالمعاني والموضوعات؛ تلبية لحاجات العلماء والدارسين والقراء؛ وليجد فيها كلُّ مُـنْتَجِعٍ طِلْـبَتَه وبُـغْيَتَه.و قد تنوعت أيضًا هندسة بنائها، و طرائق ترتيبها تنوعًا عجبًا، فمنها ما جاء مرتبًا على مخارج الحروف؛ تلبيةً لحاجة القراء والحفاظ والمفسرين والمحدثين وغيرهم. وقد ظهر هذا النهج العبقري المُـرتَّّـب بحَسَب المخارج، والتقاليب الصوتية للمادة اللغوية على يد رجل اكتمل عقله، وأوفى على الغاية استعداده، و هو الخليل بن أحمد الفراهيدي في "كتاب العين"،و قد لفَّ لفَّه، و نسج نسْجَه، عدد من اللغويين المبدعين، أصحاب الدرر المعجمية الخالدة، والأعمال الآسرة مثل: " جمهرة اللغة" لأبي بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزديّ (223 - 321 هـ )، الذي نزع نحو التجديد باعتماد الترتيب الألفبائي، لكنه ظل ملتزما بنظام التقاليب الصوتية للخليل،و "البارع في اللغة" لأبي علي إسماعيل بن القاسم القالي (280 - 356 هـ )، و"تهذيب اللغة" لأبي منصور محمد بن أحمد بن الأزهري الهروي (282 - 370 هـ ) ، و"مختصر العين" لأبي بكر محمد بن الحسن الزُّبيديِّ الإشبيليّ الأندلسيّ (316 - 379 هـ ) ، و"المحيط في اللغة" لأبي القاسم إسماعيل بن عبّاد (324 - 385 هـ ) ، و"المحكم والمحيط الأعظم" لأبي الحسن علي بن إسماعيل بن سِيْدَه الأندلسيّ المَـرْسيّ (398 - 458 هـ ). ومنها ما جاء مرتبا ترتيبا ألفبائيا قافويّا، أي: على الأصل الأخير للجذر؛ تلبية لحاجات الشعراء والكتاب، وأرباب النظم والسجع والمقامات مثل: "الصحاح: تاج اللغة وصحاح العربية" لأبي نصر إسماعيل بن حماد الجوهريّ ( ....- 393 هـ )،و"العباب الفاخر واللباب الزاخر " لرضي الدين الحسن بن محمد بن الحسن العدوي الصغاني (577 - 650 هـ )، و"القاموس المحيط" لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي، (729 - 817 هـ )،و"تاج العروس من جواهر القاموس" لأبي الفيض محمد بن محمد بن محمد بن عبد الرزاق المرتضى الـزَّبيديّ (1145 - 1205 هـ )،ومنها ما جاء مرتبا وفق أوائل الأصول ترتيبا ألفبائيا غير قافوي؛ تيسيرا للباحث في العثور على بُـغْيَتَه رابضة في مكانها من غير نَـصِّ مَـطِيَّة أو إدْآب نَـفْسٍ وعناء مثل:" كتاب الجيم" لأبي عمرو إسحاق بن مرار الشيبانيّ (نحو 94 هـ – نحو 206 هـ )، و "معجم مقاييس اللغة "لأبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا الرازيّ القزوينّي (... – نحو 395 هـ )،و "أساس البلاغة" لأبي القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشريّ (467 - 538 هـ )،و"المصباح المنير في غريب الشرح الكبير " لأحمد بن محمد بن علي الفيوميّ (.... -نحو: 770 هـ)، والمعجمين: "الوسيط"و "الكبير" لمجمع اللغة العربية بالقاهرة. ومنها ما اختص بترتيب مادته اللغوية بحَسَب الأبنية والصيغ والأوزان حرصا على ضبط متن اللغة و تلبية حاجات المهتمين بالدراسات الصرفية على مستوى البنية والصيغة مثل: "ديوان الأدب" لأبي إبراهيم إسحاق بن إبراهيم الفارابي (... –نحو: 350 هـ)، و"مقدمة الأدب" للزمخشريّ، و"شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم" لنشوان بن سعيد الحميري (... - 573هـ ). ومنها ما اهتم بترتيب مادته اللغوية بحسب المعاني والموضوعات، مثل: السحاب، والمطر، والخيل، و الإبل، وخلق الإنسان وغير ذلك، وتُسمَّـى معاجم المعاني أو الموضوعات، ومن أبرزها كتاب" الغريب المُـصَنَّف"، لأبي عُـبَيْد القاسم بن سلام بتشديد اللام (157 - 224 هـ )، و"المُخَصَّـص "لابن سِيْدَه، وغير ذلك من الرسائل والمعجمات .

إن قراءة تاريخ العمل المعجمي عند العرب، تكشف بجلاء عن تفوقهم، وعلو كعبهم، في التأليف والتصنيف المعجمي، وسيظل ما جادت به القريحة العربية من الدَّراريّ والفرائد المعجمية، آية ماثلة شاخصة للعالمين، تكشف دقةُ صنعتها وعبقرية بنائها و إحكامها عن تألق العقلية العربية وتأنقها في ميدان التأليف والتصنيف المعجميّ

وفي القرن الحادي عشر الهجري أي السابعَ عشرَ الميلادي اتجه اللغويون في الغرب إلى صناعة المعاجم التاريخية التي تقدم سجلا تاريخيا لمفردات اللغة، ودلالاتها، وأساليبها، ولهجاتها. فهي ترصد تاريخ ميلاد الألفاظ، وكمونها، وانقراضها، وصور استعمالها وإهمالها، وتتعقب تطور دلالاتها وتعددها، وما يعتور ألفاظها وصيغها من تحوُّلٍ وتبَدُّلٍ وتصريف، وترصد كذلك ما يستجد من الألفاظ والأساليب وصور استعمالها، وغير ذلك مما يطرأ على بنية اللغة من تغييرات، في رحلتها عبر تاريخها الطويل، وفق منهج تاريخي دقيق.

وقد ظهر المعجم التاريخي للغة الفرنسية عام 1694م، واستغرق إنجازه قرابة ستين عاما، إذ بدأ العمل فيه عام 1638م، وبعد ذلك بأكثر من قرنين من الزمان، ظهرت الطبعة الأولى من المعجم التاريخي الإنجليزي عام 1928م، واستغرق قرابة سبعين عاما، إذ بدأ العمل فيه عام م1858 م، وقامت مطبعة أكسفورد عام 1984م بتحديثه، ورقمنته، وظهرت طبعته المحدثة عام 1989م، في عشرين مجلدا، ومعها نسخة حاسوبية مرقمنة.

وعلى الرغم من تاريخ العرب المشرق في الصنعة المعجمية، فقد تأخروا كثيرا في إنجاز المعجم التاريخيّ للغة العربية، وأدلج الناس وهم رقود. وفي النصف الأول من القرن العشرين لاحت بشارةُ الأمل بصدور مرسوم ملكي كريم من صاحب الجلالة ملكِ مصر الملكِ فؤادٍ الأول في 14 شعبان 1351 هـ ـ 13 ديسمبر 1932م يقضي بإنشاء مَجْمَعِ اللغة العربية بالقاهرة، وينص في مادته الثانية على أن من مهام هذا المَجْمَعِ "أن يقوم بوضع معجم تاريخي للغة العربية، وأن ينشر أبحاثًا في تاريخ بعض الكلمات، وتغير مدلولاتها".

والمعاجم التاريخية -كما تعلمون- سجلٌ لغوي يؤرخُ قصةَ الألفاظ، ويبين شجرةَ النسبِ اللغويةَ لكل كلمة، وكيف تفرعت الأصول وتطورت، وأنجبت أجيالا من الكلمات والدلالات عبر العصور؛ ولذا تسابقت الأمم لإخراج هذا الضربِ من المعاجم الذي يحفظ لكل أمة تاريخَ تراثها اللغوي ويؤرخ قصةَ لغتِـها تأريخا مُفَـصَّلا دقيقًا.

وقد تحولت الدعوة لإنشاء المعجم التاريخي إلى واقع عملي في مرحلة باكرة من القرن العشرين، إذ شرع مجمع القاهرة سنة 1936م في إعداد هذا المعجم؛ تلبية للمرسوم الملكي، وقام بتشكيل لجنة علمية بإشراف المستعرب الألمانيّ فيشر، عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة آنذاك، وبعد انطلاق التحرير ،و إعداد إضبارة من بطاقات حرف الهمزة، حالت الظروف دون مواصلة العمل وإتمامه؛ فانفض سامره، وخبت جذوته ، ودخل في سبات عميق؛ وقام مجـمع اللغة العربية بالقاهرة بجمع بطاقات فيشر ونشرها؛ تكريما له عام 1967م بعنوان: " المعجم اللغوي التاريخي للأستاذ.فيشر،القسم الأول من أول حرف الهمزة إلى أبد".

ورغم توقف العمل في مشروع المعجم التاريخي للغة العربية إذعانًا لصروف الدهر، ونوائب الحَدَثان إِبَّانَ الحرب العالمية الثانية، فقد ظل مسُّه و رسيسه ينكآن في وجدان سَدَنَة العربية ومحبيها، و ظل اللغويون والمثقفون العرب في كل مكان يشيمون برقَ هذا المُعْجَـمِ، و يتطلعون إلى شآبيبِ غمامه وقَـطْره، وروايا مزنِـه وغيثـِه ، و قد لبثوا أعمارا و هم ينتظرونه انتظار المجدبِ للماء، والمريضِ للدواء والشفاء، وزاد من آلامهم ـ وهم بين اليأس والرجاء - أن سبقنا الأممُ الأخرى في صناعة معاجمها التاريخية.

وقد سنحت - بفضل الله وتوفيقه-لاتحاد المجامع العربية فرصةٌ أخرى في العَقْد الثاني من القرن الحادي والعشرين فنهضت محاولتُه الثانية، وكانت كما قال كُثَيِّـر:

وكُنتُ كذاتِ الظَّلْعِ لمَّا تحاملَتْ على نفسهـا بعد العِثار استَقَلَّـتِ

وكتب الله النجاح لهذه المحاولة الميمونة؛ فاتقدت جذوتها، وعلا سناها؛ بفضـل دعــم صاحب السمو الشيخ الدكتور: سلطان القاسمي

حاكم الشارقة عضو المجلس الأعلى لاتحاد الإمارات العربية المتحدة- حفظه الله ورعاه- إذ تكرم سموه بتهيئة السبل، وتذليل الصعاب؛ لإنجاز هذا الحلم العربي تحت مظلة اتحاد المجامع العربية بالقاهرة.

وقد بدأت رحلة المعجم بمرحلة التخطيط والإعداد التي استغرقت أكثر َمن عامين، جرى فيها التخطيطُ للمعجم تخطيطا علميا سديدًا وفق الأصول المرجعية لبناء المعاجم اللغوية التاريخية؛ وبناءً على معطيات هذا التخطيطِ اللغويِ السديد ونتائجه تأكدنا بعد دراسة نقاطِ القوة والضعف والفرصِ والتحدياتِ من إمكانيةِ النجاح، فاتُخذ القرار ببدء العمل، ووَضْعِ الخطة التنفيذية التي نهضت على عدد من الأسسِ والدعائم أهمها:

أولًا- إسنادُ إنجازِ المعجم إلى اتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية وهو مؤسسة علمية متخصصة تنضوي تحتها المجامع والمجالس والمراكز اللغوية في العالم العربي؛ ليكون العمل أكاديميًّا جماعيًّا مؤسَّسيًّا.

ثانيًا-تحديدُ الهيكلِ التنظيمي للمعجم إداريا وعلميا وتنفيذيا ضبطا للحوكمة وانتظامِ العملِ وعدمِ تداخل المهام

ثالثًا-تحديدُ تخومِ المعجم وخريطتِه الزمنية والجغرافية.

رابعًا-إعدادُ المنهجِ العلمي لبناء المعجم وتحريرِه؛ ليكون معيارا وخريطةً واضحةَ المعالم تعصم السالكين من المحررين من الخروج عن جادة الصواب، وتضمن سيرَ العمل على نهج واحد مستقيم.

خامسًا- تحديدُ المجامعِ المشاركة في المعجم وتشكيلُ اللجانِ العلميةِ بها وفق مواصفاتٍ ومعاييرَ علميةٍ دقيقة.

سادسًا- تحديدُ مصادر ِالمعجم وجمعُـها موزعةً على الجغرافيا اللغوية في كل العصور شاملةً مصادرَ كلِّ الفنون والعلوم؛ حرصا على تمثيلها للغة تمثيلا محيطا شاملا متجاوزةً عصورَ الاستشهادِ المعجمية الموروثة إلى الاستشهاد بكل نص عربي صحيح في كل العصور.

سابعًا- صناعةُ مدونةٍ رقمية خاصةٍ بالمعجم وهي عمليةٌ شاقة وشائكة، وقد تكفل مجمعُ الشارقةِ بإعدادها.

ثامنًا- تدريب المحررين في كل البلدان العربية المشاركة على قواعدِ المنهج والنموذجِ التطبيقيِ وقواعد التحرير، وطرائقِ استخدامِ المدونة الرقمية والاستفادِة منها.

تاسعًا- المتابعة العلمية المستمرة للمحررين والإجابُة عن تساؤلاتِـهم وعملُ نشراتٍ دورية بالتحديثات والتوجيهات اللازمة.

عاشرًا- عمل مراجعة علمية توجيهية بعد شهرين من بدء العمل على عدد من النماذج المحررة لاستكشاف ما يجب

تصويبه وتصحيحه ضبطا لمسار العمل على نهج قويم.

وفي بداية مرحلة الإعداد عهد إليَّ الأستاذ الدكتور/ حسن الشافعي رئيس اتحاد المجامع العربية بمهمة وضع المنهج العلمي؛ لإعداد هذا المعجم المنتظر، فما أَلَوتُ جهدا في ذلك، و قمت بفضل الله وتوفيقه بإعداد هذا المنهج باذلا فيه غاية الوُسْع والطاقة مستهديا بتجارب الأمم الأخرى في صناعة معاجمها التاريخية وبخاصة تجربة المعجم التاريخي للغة الإنجليزية فضلا عما يستنبط من مناهج علمائنا المعجميين القدامى والمحدثين، فأفدت من مناهج معاجمنا التراثية ومن منهجي المعجم الكبير ، ومعجم لغة الشعر العربي ـ وهما من إصدارات مجمع اللغة العربية بالقاهرة ، و أفدت كذلك من كل ما وقع تحت يدي من الكتابات الحديثة والمعاصرة التي تناولت قضايا المعجم التاريخي وطرائق بنائه وصناعته، وبخاصة كتاب المعجم التاريخي للدكتور: محمد حسن عبد العزيز عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة، فضلا عن الاستفادة بتوجيهات الأساتذة والزملاء من شيوخ مجمع القاهرة ورجالاته، وشيوخ المجامع والمؤسسات العلمية العربية، وتوجيهات السادة العلماء أعضاء المجلس العلمي للمعجم.

ولما نهض المنهج واستوى على سوقه، وحظي بموافقة لجنة المعجم التاريخي بمجمع اللغة العربية بالقاهرة، والمجلس العلمي للمعجم التاريخي باتحاد المجامع اللغوية العربية، قمنا بطباعته في كتيب عنوانه:"المعجم التاريخي للغة العربية: المنهج والتطبيق"

وبعد إرساء قواعد العمل، واكتمال أدواته بإعداد المنهج. وتدريب المحررين، وبناء المدونة الرقمية، انطلق قطار

العمل الفعلي في تحرير المادة المعجمية في غرة يناير سنة 2020 م وفق هذه الأسسِ الحاكمة، ونهض المحررون والباحثون برصد المادةِ العلمية وجمعِها من مصادرها اللغوية الحية، وقد مرت عملية الجمع والتحرير بمراحلَ متتابعةٍ من المراجعة اللغوية الدقيقة في معالجة المادة اللغوية رغبةً في الضبط والتصحيح والإتقان.

وفي ختام الدورة المعجمية الأولى قمنا بمراجعة المنهج وتحديثه بناء على ما أظهرته التجربة الفعلية، وما عَنَّ من تساؤلات واستفسارات؛ وما ترتب على ذلك من اقتراحات وتقيدات وإضافات للسادة العلماء أعضاء المجلس العلمي للمعجم التاريخي أهمها: تخصيص العصر الإسلامي بثلاثة شواهد ممثلة للغة القرآن والحديث وكلام العرب نثرا أو شعرا - إن توفرت- على كل دلالة، وضبط عين الفعل بالحركة والعبارة معا، والتأريخ للأعلام التي ارتبطت بمفاهيم ودلالات خاصة.

وقد أردفنا المنهج بشرح تفسيري رغبة في البيان وتذليل طرق التحرير المعجمي، وجمعنا ذلك كله في كتاب عنوانه: " المعجم التاريخي للغة العربية: المنهجية و أصول التحرير "

،وقمنا بطباعته؛ ليبقى دليلا يـُهتدى به على طريقة العمل في هذا المعجم؛ حرصًا على انضباط العمل منهجيًّا، وسيره على نسق واحد، ونهج قويم.

وقد تمكنا- بفضل الله وتوفيقه- في نهاية الدورة المعجمية الأولى من إصدار نسخة تجريبية لثمانية الأجزاء الأولى من المعجم التاريخي للغة العربية ثم عُـرِضت هذه النسخة التجريبية بعد ذلك على لجان التنسيق والمراجعة النهائية؛ لإعادة النظر والتمحيص والتدقيق، واستدراك ما ند أو فات، وتوحيدِ التنسيقِ على سنن واحد؛ ليخرج العمل في طبعته الأولى خروجَ الماءِ المعين الذي ينبع من الأعماق السحيقة مارا بطبقات الأرض وصخورِها المتراكبةِ لينبجس على سطح الأرض جاريا عذبا نقيا صافيا لا تشوبه شائبةٌ أو عُكارة.

وهكذا خرج المعجم التاريخي في طبعته الأولى إلى عالم الوجود في حلة بهية وثوب قشيب مُـراجَـعًا مُحَقَّقًا مُدَقَّقًا وافيًا كافيًا شافيًا، وفضلا عن كونه أولَ معجم ٍتاريخي للغة العربية ففيه من المزايا والفوائدِ اللغوية ما لا يعد ولا يحصى ومن معالم ِفوائدِه:

أولا- رصدُ تاريخِ الكلمات العربية بتتبع تاريخِ ميلادِ الألفاظ ودلالاتِها الأصلية. وتاريخِ استعمالها، وتطور ِ دلالاتِـها وتاريخِ ظهورِ الدلالات الجديدة وما طرأ على اللغة من تغيرات.

ثانيا-رصد ما استعملته العربية من الألفاظٍ الدخيلة و المعربة و المحدثة، وتاريخِ استعمالها في كل عصر.

ثالثا- تنمية اللغة وتوسيعها بالخروج على عصور الاحتجاج الموروثة والاستشهاد بالصحيح في كل العصور.

رابعا- تحرير العلاقة بين العربية وبقية اللغات السامية منتهيا إلى أن اللغاتِ الساميةَ ما هي إلا لهجاتٌ تحدرت من اللغة العربية الأم، واستقلت في مواطنها وتعرضت عبر تاريخها الطويل لكثير من التحولات والتغييرات اللغوية، ورغم ذلك فقد ظلت محتفظةً بكثير من خصائص اللغة الأم في البنية والدلالة والتركيب.

خامسا- فتح آفاق جديدة في الدراسات اللغوية إذ يشكل محتواه منهلا عذبا ثريا للأبحاث والدراسات اللغوية والمعجمية المتنوعة.

إن ظهور بواكير أجزاء الطبعة الأولى للمعجم التاريخي للغة العربية إلى عالم الحياة والنور، يُـعَدُّ بلا ريب أو مراء آية علمية خالدة فهو بحق

عمل من روائع العصر جئنا ه بعلم ولم نجئه ارتجالا

إن هذا الإنجاز العظيم الذي تحقق يوجب علينا بحق رفع آيات الشكر والامتنان والتقدير والإجلال والثناء لصاحب السمو الشيخ الدكتور / سلطان القاسمي

حفظه الله ورعاه، وكساه دوما حلل الستر والفضل والعطاء أينما حَلَّ وحيثما كان، فقد تكفل بالمشروع ورعاه ولولا فضله ما تحقق هذا الإنجاز. ولا يفوتني في هذا المقام أن أتقدم بعاطر الشكر وخالصه لاتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية ممثلا في رئيسه صاحب الفضيلة الأستاذ الدكتور /حسن الشافعي، وأمينه العام سعادة الأستاذ الدكتور /عبد الحميد مدكور حفظهما الله من كل سوء، ومتعهما بطول العُمُـر وحُسْن العمل .والشكر موصول للسادة العلماء الأكارم أعضاء مجلس الاتحاد، و المجلس العلمي للمعجم ،وجميع المجامع العربية وبخاصة مجمعُ الشارقة ممثلا في الأستاذ الفاضل/ محمد خلف مستشار صاحب السمو، وأمينه العام الدكتور /محمد المستغانمي ، وجميع أعضاء اللجنة المالية والتنفيذية على جهودهم المتميزة وتعاونهم المثمر ، والشكر كله لكتائب المحررين والخبراء والعلماء المشاركين في صناعة هذا المعجم على جهودهم المشكورة المقدرة، فبفضلهم تحقق هذا الإنجاز العظيم .

وختاما نؤكد للجميع أننا على الدرب سائرون بلا كلل أو ملل أو تقصير؛ لإنجاز بقية أجزاء هذا المعجم التاريخي، وسيظل نهر العطاءِ والإبداعِ اللغوي جاريا متدفقا سائغا للشاربين بفضل سدنةِ العربية وعشاقِها في كل زمان ومكان، ومازال العمل جاريا ولا زال منهلا بمعجمنا القطر.

واللهَ أسألُ أن يمن علينا دوما بفيوض غيثه وتوفيقه، وأن يكلل أعمالنا جميعا بالسداد والفلاح والنجاح.

‏ أ.د.مأمون عبد الحليم وجيه

المدير العلمي للمعجم التاريخي

عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة

سياسات الخصوصية

جميع الحقوق محفوظة @ مجمع اللغة العربية بالشارقة | حكومة الشارقة 2025 .

Google PlayApp Store