مقدمة رئيس اتحاد المجامع
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسوله ومن والاه. وبعد؛
الرّئيس التنفيذي لمشروع المعجم التاريخي للغة العربيّة
فإنه على امتداد القرن الماضي، الرابعَ عشرَ الهجريِّ (العشرين الميلاديِّ)، ظلت جماهيرُ المثقفين في الأمة العربية، تتطلع إلى عمل معجم تاريخي، للغتهم الشريفة، وهي إحدى لغات العالم الكبرى، بيد أنها ثقيلة الوزن الفكري والثقافي والعلمي والفني، أسوة بتلك اللغات التي حظي أهلها، ومن يستعملها في أنحاء العالم، بذلك المعجم، على نحوٍ أو آخر.
وعندما اتسعت حركة إقامة "المجامع اللغوية" في أرجاء العالم العربي، وخاصة في دمشق والقاهرة، انتقلت الفكرة من تطلعات الجماهير، ودعوات المثقفين العرب، إلى أيدي متخصصين ذوي خبرة وممارسة للبحث اللغوي؛ التاريخيِّ وغيرِه، من أعضاء هذه المجامع وخبرائها، وعلمائها من الشرق والغرب.
وتصدى مجمع القاهرة للغة العربية، لهذه القضية اللغوية، فضمَّنَها أولى وثائقه الرسميَّة، فنصَّ مرسوم إنشائه، الصادر في الرابع عشر من شعبان ۱۳٥۱هـ، الموافق للثالثَ عشرَ من شهر ديسمبر لسنة ۱۹۳۲ للميلاد، في المادة الثانية الخاصة بأهداف المجمع، على "أنْ يقوم بوضع معجم تاريخي للغة العربية، وأن ينشر أبحاثًا في تاريخ بعض الكلمات وتغيُّر مدلولاتها".
وفى عام ۱۹۳٦ للميلاد، شكَّل المجمع، تنفيذًا للنص السابق، لجنة للشروع في إعداد هذا المعجم، بإشراف المستشرق الألماني، بروفسور فيشر، عضو المجمع، ومضت اللجنة في إنجاز مهمتها، لكن الظروف لم تمكنها من إتمامه فتوقفت بعد حين، ونشر المجمع ما عملته؛ في نطاق حرف الهمزة، وفترت الدفعة الأولى التي شهدتها الفكرة، بقيام الحرب العالمية الثانية.
وعندما تحركت الجهود المشتركة لإقامة "اتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية"، في أواسط الخمسينيات من القرن ذاته، وأقيم الاتحاد في أوائل السبعينيات منه، برياسة المرحوم ــ بإذن الله ــ الدكتور طه حسين، تجدد الاهتمام بالفكرة باعتبارها هدفًا قوميًّا، غير أن هذه الجهود اتسمت بالدراسة النظرية، لأصول المعجمية، والمناهج المختلفة في وضع المعجم التاريخي، ومحاولة البناء على تراث "فيشر"، لكنها بقيت تتلكأ حول النظريات، حتى تبددت واضمحلت لأسباب لا تخفى على المتابعين، وأعظمها ضعف الهمة والتصميم، والحاجة إلى التمويل، والرعاية الفنية والإدارية.
ثم تحركت الأفكار، وتجدد الاهتمامُ بقضية المعجم التاريخي، خلال العقد الأول من القرن الحالي، وصدرت عدة مؤلفات لِلغويين عرب، عن طبيعة الموضوع، ومتطلباته، وتجاربه ومشكلاته؛ فشعرت المؤسسات اللغوية ــ من جديدــ بمسئوليتها، إزاء هذا الواجب التاريخي القومي، الذي ظلت تتطلع له الأمة، على مدى نحو قرن كامل.
لكن مجمع القاهرة كان ــ وما يزال ــ يؤمن:
۱ـ بأن هذا العمل الكبير، يجب أولاً أن يتم على صعيد قومي مشترك، بدلاً من النزوع إلى الخصوصية والتفرد.
۲ـ وأنه ينبغي اقتحام الميدان العملي، وتجاوز المرحلة النظرية، وإرساء البنيةِ التحتية، المتمثلة في:
أ) إنجاز منهج علمي واضح، يُطرح على المشتغلين، ويُراعى فيه مع الوعي العلمي، طبيعةُ اللغةِ العربية وخصوصيتها، واعتدادها بالجذر اللغوي أساسًا لتوليد الكلمات.
ب) تشكيل جهاز مناسب، مزود بالعلم والخبرة، ليستثمر جهود علماء الأمة جميعًا، ويُكلف بإنجاز العمل في سياق مرسوم.
ج) توافر التمويل اللازم لإنجاز هذا العمل الكبير، وتوفير أجهزته، وضمان استمراريته، حتى يتحقق الأمل بصدور المعجم المنشود.
وشاء الله ــ عز وجل ــ أن تتجه همة صاحب السموِّ الشيخ العالم، المدقق المحقق "مأمون الأمراء العرب"، المهموم بمصالح أمته
الشيخ الدكتور سلطان القاسمي
عضو المجلس الأعلى لاتحاد الإمارات العربية المتحدة ـ حاكم الشارقة
إلى مشروع المعجم التاريخي، ضمن مشروعاته العلمية المتعددة، التي يقيمها في أرجاء العالمين العربي والإسلامي، وأن يتكفل مجمع الشارقة للغة العربية بكل المتطلبات العلمية والمادية التي وقفت، خلال عقود متوالية، دون إنجاز المعجم المنشود.
۱ـ فأقام سموه أولًا دارًا فاخرة، بل صرحًا علميًّا "لاتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية" مزودًا بأجهزة العمل، بمدينة السادس من أكتوبر، الضاحية الجنوبية للقاهرة، على أرض قدمتها حكومة جمهورية مصر العربية.
۲ـ ورعى جهود الاتحاد في إقامة الجهاز الضروري، إداريًّا وعلميًّا، على أن يكون العمل تحت مظلة الاتحاد، والجانب العلمي والإشرافي في القاهرة، والجانب التنفيذي ــ بأجهزته العملية، على أرقى مستوى معاصر، وكذا الجانب المالي، في مجمع الشارقة. والكل برعاية سموّه شخصيًّا ــ جزاه الله كل خيرــ مع لجنة علمية للمجلس العلمي للاتحاد، ولجنة للتنسيق والمراجعة والاعتماد، بإشراف الأمانة العامة للاتحاد.